أبو موسى الأشعري رضى الله عنه:
لما حضرت أبا موسى رضي الله عنه الوفاة، دعا فتيانه، وقال لهم: "إذهبوا فاحفروا لي وأعمقوا، فعلوا" .
فقال: "اجلسوا بي، فوالذي نفسي بيده إنها لإحدى المنزلتين، إما ليوسعن قبري حتى تكون كل زاوية أربعين ذراعاً، وليفتحن لي باب من أبواب الجنة، فلأنظرن إلى منزلي فيها وإلى أزواجي، وإلى ما أعد الله عز و جل لي فيها من النعيم، ثم لأنا أهدى إلى منزلي في الجنة مني اليوم إلى أهلي، وليصيبني من روحها و ريحانها حتى أبعث.
و إن كانت الأخرى ليضيقن علي قبري حتى تختلف منه أضلاعي، حتى يكون أضيق من كذا و كذا، وليفتحن لي باب من أبواب جهنم، فلأنظرن إلى مقعدي وإلى ما أعد الله عز و جل فيها من السلاسل والأغلال و القرناء، ثم لأنا إلى مقعدي من جهنم لأهدى مني اليوم إلى منزلي، ثم ليصيبني من سمومها وحميمها حتى أبعث".
سعد بن الربيع رضي الله عنه:
لما انتهت غزوة أحد .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ينظر ما فعل سعد بن الربيع؟» [البخاري] فدار رجل من الصحابة بين القتلى .. فأبصره سعد بن الربيع قبل أن تفيض روحه .. فناداه ..: "ماذا تفعل ؟" فقال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني لأنظر ماذا فعلت؟"
فقال سعد: "اقرء على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام و أخبره أني ميت وأني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة وأنفذت في، فأنا هالك لا محالة، واقرأ على قومي مني السلام وقل لهم .. يا قوم .. لا عذر لكم إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرف".
عبدالله بن عمر رضي الله عنهما:
قال عبد الله بن عمر قبل أن تفيض روحه: "ما آسى من الدنيا على شيء إلا على ثلاثة: ظمأ الهواجر ومكابدة الليل ومراوحة الأقدام بالقيام لله عز و جل، وأني لم أقاتل الفئة الباغية التي نزلت" (و لعله يقصد الحجاج ومن معه).
عبادة بن الصامت رضي الله عنه:
لما حضرت عبادة بن الصامت الوفاة، قال: "أخرجوا فراشي إلى الصحن"
ثم قال: "اجمعوا لي موالي وخدمي وجيراني ومن كان يدخل علي"، فجمعوا له .... فقال: "إن يومي هذا لا أراه إلا آخر يوم يأتي علي من الدنيا، وأول ليلة من الآخرة، وإنه لا أدري لعله قد فرط مني إليكم بيدي أو بلساني شيء، وهو والذي نفس عباده بيده، القصاص يوم القيامة، وأحرج على أحد منكم في نفسه شيء من ذلك إلا اقتص مني قبل أن تخرج نفسي".
فقالوا: "بل كنت والداً و كنت مؤدباً".
فقال:" أغفرتم لي ما كان من ذلك؟" قالوا: "نعم".
فقال: "اللهم أشهد ... أما الآن فاحفظوا وصيتي ... أحرج على كل إنسان منكم أن يبكي، فإذا خرجت نفسي فتوضئوا فأحسنوا الوضوء، ثم ليدخل كل إنسان منكم مسجداً فيصلي ثم يستغفر لعبادة و لنفسه، فإن الله عز و جل قال: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] ... ثم أسرعوا بي إلى حفرتي، و لا تتبعوني بنار".
الإمام الشافعي رضي الله عنه:
دخل المزني على الإمام الشافعي في مرضه الذي توفي فيه
فقال له: "كيف أصبحت يا أبا عبد الله ؟!"
فقال الشافعي: "أصبحت من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقاً، ولسوء عملي ملاقياً، ولكأس المنية شارباً، وعلى الله وارداً، ولا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أم إلى النار فأعزيها"، ثم أنشأ يقول:
و لما قسـا قلبي و ضاقـت مذاهبي *** جـعـلت رجـائي نحـو عفـوك سلـما
تعاظـمـني ذنبــي فلـما قرنتـه *** بعـفــوك ربـي كـان عفوك أعظـمـا
فما زلت ذا عفو عن الذنـب لم تزل *** تجـود و تعـفـو منــة و تكـرمــا
الحسن البصري رضي الله عنه:
حينما حضرت الحسن البصري المنية، حرك يديه وقال: "هذه منزلة صبر واستسلام !"
عبدالله بن المبارك:
العالم العابد الزاهد المجاهد عبدالله بن المبارك، حينما جاءته الوفاة إشتدت عليه سكرات الموت ثم أفاق .. ورفع الغطاء عن وجهه وابتسم قائلا: "لمثل هذا فليعمل العاملون .... لا إله إلا الله"، ثم فاضت روحه.
العالم محمد بن سيرين:
روي أنه لما حضرت محمد بن سيرين الوفاة، بكى، فقيل له: "ما يبكيك؟"
فقال: "أبكي لتفريطي في الأيام الخالية و قلة عملي للجنة العالية وما ينجيني من النار الحامية".
الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه:
لما حضر الخليفة عمر بن عبد العزيز الموت قال لبنيه وكان مسلمة بن عبدالملك حاضراً: "يا بني، إني قد تركت لكم خيراً كثيراً لا تمرون بأحد من المسلمين وأهل ذمتهم إلا رأو لكم حقاً .
يا بني، إني قد خيرت بين أمرين، إما أن تستغنوا و أدخل النار، أو تفتقروا و أدخل الجنة، فأرى أن تفتقروا إلى ذلك أحب إلي، قوموا عصمكم الله ... قوموا رزقكم الله ...
قوموا عني، فإني أرى خلقاً ما يزدادون إلا كثرة، ما هم بجن و لا إنس"
قال مسلمة: "فقمنا وتركناه، و تنحينا عنه، وسمعنا قائلاً يقول: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص83]، ثم خفت الصوت، فقمنا فدخلنا، فإذا هو ميت مغمض مسجى !"
الخليفة المأمون رحمه الله:
حينما حضر المأمون الموت قال: "أنزلوني من على السرير".
فأنزلوه على الأرض ... فوضع خده على التراب و قال: "يا من لا يزول ملكه ... إرحم من قد زال ملكه".
أمير المؤمنين عبدالملك من مروان رحمه الله:
يروى أن عبد الملك بن مروان لما أحس بالموت قال: "ارفعوني على شرف، ففعل ذلك"، فتنسم الروح، ثم قال: "يا دنيا ما أطيبك! إن طويلك لقصير، وإن كثيرك لحقير، وإن كنا منك لفي غرور ... !"
هشام بن عبدالملك رحمه الله:
لما أحتضر هشام بن عبد الملك، نظر إلى أهله يبكون حوله فقال: "جاء هشام إليكم بالدنيا وجئتم له بالبكاء، ترك لكم ما جمع وتركتم له ما حمل، ما أعظم مصيبة هشام إن لم يرحمه الله".
الخليفة المعتصم رحمه الله:
قال المعتصم عند موته: "لو علمت أن عمري قصير هكذا ما فعلت ... !"
الخليفة هارون الرشيد رحمه الله:
لما مرض هارون الرشيد ويئس الأطباء من شفائه ... و أحس بدنو أجله .. قال: "أحضروا لي أكفاناً" فأحضروا له ..فقال: "احفروا لي قبراً" ... فحفروا له ... فنظر إلى القبر وقال :"ما أغنى عني مالية ... هلك عني سلطانية ... !"
مسك الختام
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
في يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول للسنة الحادية عشرة للهجرة، كان المرض قد أشتد برسول الله صلى الله عليه و سلم، وسرت أنباء مرضه بين أصحابه، وبلغ منهم القلق مبلغه، و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أوصى أن يكون أبو بكر إماماً لهم، حين أعجزه المرض عن الحضور إلى الصلاة.
وفي فجر ذلك اليوم وأبو بكر يصلي بالمسلمين، لم يفاجئهم وهم يصلون إلا رسول الله وهو يكشف ستر حجرة عائشة، ونظر إليهم وهم في صفوف الصلاة، فتبسم مما رآه منهم فظن أبو بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج للصلاة، فأراد أن يعود ليصل الصفوف، وهم المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم، فرحاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم، وأومأ إلى أبي بكر ليكمل الصلاة، فجلس عن جانبه و صلى عن يساره، وعاد رسول الله إلى حجرته، وفرح الناس بذلك أشد الفرح، وظن الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أفاق من وجعه، و إستبشروا بذلك خيراً . وجاء الضحى، وعاد الوجع لرسول الله صلى الله عليه و سلم، فدعا فاطمة: فقال لها سراً أنه سيقبض في وجعه هذا ، فبكت لذلك، فأخبرها أنها أول من يتبعه من أهله، فضحكت، و إشتد الكرب برسول الله صلى الله عليه و سلم .. وبلغ منه مبلغه، فقالت فاطمة: "وا كرب أبتاه" . فرد عليها رسول الله قائلاً: «لا كرب على أبيك بعد اليوم» [الألباني]. وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصيته للمسلمين وهو على فراش موته: «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم» [الألباني].
ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده السواك، فنظر إليه رسول الله، قالت عائشة: "آخذه لك؟"، فأشار برأسه أن نعم، فإشتد عليه، فقالت عائشة: "ألينه لك؟" فأشار برأسه أن نعم. فلينته له ...
وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل يديه في ركوة فيها ماء، فيمسح بالماء وجهه وهو يقول: «لا إله إلا الله، إن للموت سكرات» [البخاري] .
وفي النهاية ... شخُصَ بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وتحركت شفتاه قائلاً: «مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين» [البخاري], «اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى» [البخاري], وفاضت روح خير خلق الله .. فاضت أطهر روح خلقت إلى ربها .. فاضت روح من أرسله الله رحمة للعالمين وصلى اللهم عليه و سلم تسليماً.
اللهم إنا نسألك عيشة هنية وميتة سوية ومرد غير مخز ولا فاضح .. اللهم أجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر، وإن أردت بأهل الأرض فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين ..اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم أن نلقاك برحمتك يا أرحم الراحمين.